زيارة بايدن- المصالح الأميركية، أمن إسرائيل، واستقرار الشرق الأوسط المشروط.

المؤلف: جلال الورغي08.09.2025
زيارة بايدن- المصالح الأميركية، أمن إسرائيل، واستقرار الشرق الأوسط المشروط.

بعد طول انتظار وترقب، جاءت زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى منطقة الشرق الأوسط لتُبدد الآمال المعقودة على تغيير جوهري في السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة تحت قيادة الإدارة الديمقراطية. بدت زيارة بايدن، التي جرت بين 13 و17 يوليو/تموز 2022، انعكاسًا للزيارة التي قام بها الرئيس السابق دونالد ترامب في مايو/أيار 2017، حيث لم تحمل تغييرات جذرية في أسسها. اللافت للنظر أن المنطقة، التي تعاني من انقسامات عميقة وتشتت غير مسبوق، استقبلت جو بايدن في قمة جدة بشكل موحد، كما فعلت مع ترامب من قبل.

في مقال له نُشر في صحيفة "واشنطن بوست" بتاريخ 9 يوليو/تموز، أوضح الرئيس الأميركي جو بايدن أهداف زيارته للمنطقة، والتي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

  1. حماية المصالح الأميركية في المنطقة، مع التركيز على مواجهة التوسع الصيني الذي يثير قلق واشنطن، والحد من التوسع الروسي الذي يهدد أوروبا ومصالح أميركا فيها.
  2. تحقيق الاستقرار في المنطقة، كونه ضرورة إقليمية ودولية تتطلبها السياسة الأميركية، التي لم تعد ترغب في التدخلات العسكرية والحروب المكلفة. الانسحاب من العراق وأفغانستان دليل واضح على ذلك، ويتطلب وضع خطة استراتيجية لتحقيق الاستقرار، تتضمن منع إيران من امتلاك أسلحة نووية واحتواء نفوذها في المنطقة، بغض النظر عن النجاح الفعلي لهذه الخطة.
  3. يأتي تعزيز أمن إسرائيل ودمجها في المنطقة كهدف ثالث، تسعى إليه الإدارة الأميركية لاستكمال "صفقة القرن". تعتبر واشنطن هذا الهدف شرطًا أساسيًا لتحقيق الهدفين الأولين، حيث ترى أنه لا يمكن تحقيق الأمن في المنطقة إلا بوجود إسرائيل قوية ومنصهرة في نسيج المنطقة، من خلال مسار تدريجي يبدأ بالتطبيع الشامل وينتهي بالاندماج الكامل، عبر تحالفات دفاعية تشبه "ناتو شرق أوسطي" واتفاقيات اقتصادية تدمج السوق الإسرائيلية في العلاقات الاقتصادية الإقليمية في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والتجارة الحرة.

 

تتبنى إدارة بايدن، مثل الإدارات السابقة، فكرة أن استقرار المنطقة هو السبيل الأمثل لصون وتعزيز مصالح الولايات المتحدة، حتى لو كان ذلك على حساب تطلعات شعوب المنطقة للتغيير.

يؤكد الرئيس الأميركي جو بايدن على أهمية الاستقرار، حيث أشار بفخر إلى أنه أول رئيس أميركي يزور المنطقة منذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، دون وجود قوات أميركية منخرطة في حرب أو عمليات عسكرية في المنطقة.

ولفت بايدن إلى الانسحاب من العراق وأفغانستان، مؤكدًا أن المنطقة اليوم أكثر استقرارًا مما كانت عليه قبل 18 شهرًا، أي منذ توليه منصبه في البيت الأبيض.

ويرى بايدن، أن الدبلوماسية المكثفة والردع ساهما في تعزيز الاستقرار في المنطقة، وذلك من خلال القضاء على تنظيم الدولة في العراق، وتثبيت الهدنة في اليمن، وتحييد قادة التنظيم في سوريا، وتخفيف التوتر في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ومن اللافت للنظر أن إدارة بايدن طالبت تل أبيب بوقف التصعيد وتجنب الاستفزازات في الأراضي المحتلة، بما في ذلك القدس، قبل زيارته للمنطقة بشهر.

ويبدو أن إدارة بايدن، مثل سابقاتها، تعتقد أن الاستقرار في المنطقة هو أفضل وسيلة للحفاظ على مصالح الولايات المتحدة وتعزيزها، حتى لو كان هذا الاستقرار على حساب حق شعوب المنطقة في التغيير والتطور.

إن عجز واشنطن عن توجيه مسارات الربيع العربي عزّز قناعتها بأن سياستها التقليدية هي الأنجح في تحقيق الاستقرار في المنطقة. وهذا الاستقرار يتطلب أنظمة حكم قوية وقادرة على فرض سلطتها، خاصة وأن الانتقال الديمقراطي له تكاليفه ومخاطره، في وقت تنشغل فيه واشنطن بمواجهة الصعود الصيني وتقويض نفوذه، بالإضافة إلى احتواء التوسع الروسي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن التوجه الأميركي المعلن بالانسحاب من المنطقة، لتركيز الجهود على مواجهة الخطر الصيني في المحيطين الهادي والهندي، يستلزم أن ترى الولايات المتحدة منطقة مستقرة، خالية من أي اضطرابات تهدد مصالحها وأمنها القومي.

ولم يكن من المستغرب أن يحتفي ترامب وإدارته خلال زيارته للمنطقة في مايو/أيار 2017 بأكثر دول المنطقة تسلطًا -إسرائيل- دون أي اعتبار لقيم الديمقراطية. واليوم، تستعيد إدارة بايدن الديمقراطية ممارسات الإدارة الجمهورية السابقة، في مشهد يجسد ملامح السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة.

تؤمن الولايات المتحدة بأن الاستقرار في المنطقة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأمن إسرائيل وتفوقها. لذلك، تتعامل الإدارات الأميركية مع قضية الاستقرار ليس فقط كهدف، بل كسبب، بمعنى أن المنطقة لن تكون مستقرة بدون أمن إسرائيل وتفوقها.

وبينما تسعى واشنطن لتعزيز علاقاتها مع الأنظمة القوية في المنطقة، وخاصة الغنية منها، فإنها تحرص على ضمان قدرة هذه الأنظمة على تأمين تدفق النفط والسيطرة على أسعاره في الأسواق العالمية.

أصبح هذا الأمر أكثر إلحاحًا بعد اندلاع الحرب الروسية ضد أوكرانيا، وما ترتب عليها من تداعيات كارثية على إمدادات الغاز والنفط، وارتفاع الأسعار الذي أدى إلى التضخم في معظم دول العالم.

وقد طال التضخم الولايات المتحدة الأميركية نفسها، مما أدى إلى انخفاض شعبية جو بايدن إلى أقل من 40% بين الأميركيين، لذلك لم يكن من المستغرب أن يعلن بايدن بعد وصوله إلى المنطقة أن واشنطن لن تترك المنطقة للصين وروسيا.

ومن اللافت للنظر أن زيارة الرئيس "الديمقراطي" بايدن إلى المنطقة حملت معها ملفات وقضايا عديدة، ولكن لم تتضمن قضية الديمقراطية، على الرغم من تعطش المنطقة إليها. وبدلاً من ذلك، حضرت قضايا الأمن والتطبيع والمصالح والاستقرار، وغابت الديمقراطية.

وتدرك إدارة بايدن الديمقراطية أن أحد شروط ترسيخ مسار التطبيع العربي الإسرائيلي هو وجود أنظمة حكم قوية وغير ديمقراطية، تنخرط في التطبيع دون تفويض شعبي، بل بالاعتماد على شرعية القوة. فقوى التغيير الديمقراطي هي الأشد معارضة للتطبيع.

لذلك، تخشى واشنطن من وصول هذه القوى إلى السلطة، وتنظر واشنطن اليوم إلى الانقلابات في المنطقة بعين نصف مفتوحة، فهي وإن كانت تبدي تحفظًا في البداية، فإنها تدعمها لاحقًا سرًا وعلنًا، كما هو الحال في مصر والمغرب والسودان وتونس.

وعلى الرغم من أن الرؤية الأميركية للعلاقة مع المنطقة تبدو مرتبكة وغير مدركة لتعقيدات المشهد، إلا أنها تعتمد على محددات تقليدية غير محدثة، أساسها سلطة القوة. فالولايات المتحدة تبدو مقتنعة تمامًا بأن الاستقرار في المنطقة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأمن إسرائيل وتفوقها.

لذلك، تتعامل الإدارات الأميركية مع قضية الاستقرار ليس فقط كهدف، بل كسبب، بحيث تكون المعادلة أن المنطقة بدون أمن إسرائيل وتفوقها لن تكون مستقرة، وفي الوقت نفسه، لن تكون إسرائيل آمنة إلا في ظل استقرار المنطقة. ويتجلى هذا التوجه الأميركي في تأمين إسرائيل عبر مسارات متفاعلة:

  • ضمان تفوقها العسكري (بموجب تشريع أميركي).
  • ردع خصومها والتهديدات التي تتعرض لها (مثل البرنامج النووي الإيراني).
  • ربطها بعلاقات مع دول المنطقة، تبدأ بالتطبيع وتنتهي بالاندماج، عبر اتفاقيات أمنية وتجارية وتحالفات إقليمية. تدفع الولايات المتحدة أنظمة المنطقة إلى التطبيع، وتحوله إلى شرط ليس فقط لعلاقة قوية مع واشنطن، بل وشرط للاستقرار. فالدول التي كانت تعتبر القضية الفلسطينية قضية مركزية، انعطفت اليوم نحو إسرائيل تطبيعًا وتحالفًا، وهو مسار جعلته واشنطن وأنظمة المنطقة مصدر الشرعية الأساسي، وأفقًا وحيدًا للانفتاح على العالم الخارجي.

وعلى الرغم من التوجه الأميركي لتحفيز دول المنطقة على إقامة تحالف إقليمي يشمل إسرائيل، إلا أن هذا المشروع يواجه عقبات حقيقية، تبدأ من غياب تسوية واضحة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وعدم حماسة بعض دول المنطقة لهذا التحالف، ورفض دول أخرى الانخراط في تحالف يضعها في مواجهة مباشرة مع إيران.

ويبدو أن الزيارة قد فشلت في تحقيق أي اختراق جدي، وهو ما ظهر واضحًا في كلمات بعض القادة العرب الذين أعادوا التذكير بأهمية القضية الفلسطينية وحلها العادل، كأساس وشرط يسبق أي مبادرات أخرى، مثل "شرق أوسط جديد" أو "ناتو شرق أوسطي".

لقد فشل الرهان الإسرائيلي على إدارة بايدن لتهميش القضية الفلسطينية، من خلال تطبيع العلاقات مع الدول العربية ثم دمج إسرائيل في المنطقة، وتحويل القضية الفلسطينية إلى مجرد ملف أقلية. كما فشلت المحاولة الأميركية في الحصول على موافقة قمة جدة على الانخراط في مشروع الدمج الإسرائيلي الكامل في المنطقة.

تعكس زيارة بايدن الأخيرة للمنطقة السياسة الأميركية المضطربة والمتذبذبة تجاه الشرق الأوسط، والتي تتأرجح بين التمسك بالرؤية التقليدية التي تأسست قبل أكثر من 70 عامًا، ومحاولة إيجاد مقاربة جديدة تستجيب للتوازنات الدولية الجديدة والتحديات الاستراتيجية، مثل الصعود الصيني والجموح الروسي، والتحولات العميقة التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط. وقد تجلى هذا الارتباك في الانسحاب الأميركي المتسارع من العراق وأفغانستان، وفي الوقت نفسه، إعلان بايدن أن الولايات المتحدة لن تترك المنطقة للصين وروسيا.

ختامًا، يؤكد تعهد بايدن بالتصدي للصين وروسيا في المنطقة أن الشرق الأوسط، بعد مرور حوالي 70 عامًا على استقلاله، لا يزال يُنظر إليه كمنطقة صراع على النفوذ والمصالح.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة